لسنوات عديدة، هيمنت الفيسبوك على المشهد بإعتبارها منصة التواصل الإجتماعي الأكثر شعبية في العالم بعدما نجحت في إستقطاب ما يُقارب 3 مليارات مستخدم من جميع أنحاء العالم. وبالتالي، كان يبدو للجميع أنه ليس هناك شيء بإمكانه زعزعة عرش هذه المنصة حتى بعد ظهور بعض التطبيقات والمنصات الواعدة الأخرى التي كان مصيرها الفشل في نهاية المطاف لتظل الفيسبوك وتطبيقات الدردشة الأخرى التابعة لها في أعلى قائمة أكثر التطبيقات تحميلاً من قبل المستخدمين، على الأقل حتى العام 2020 عندما ظهر منافس جديد من الصين يُدعى تيك توك.
في الواقع، هذا التطبيق كان يحمل في الأصل إسم Musicaly، ولكن قررت الشركة الصينية Byte Dance الإستحواذ عليه وتغيير إسمه إلى تيك توك. وبعد ذلك، نجح هذا التطبيق بسرعة في كسب ود ملايين الشباب والمراهقين في جميع أنحاء العالم. لفترة من الوقت، بدا أنه مجرد موجة عابرة أخرى ستتلاشى في غضون بضعة أشهر، ولكن في العام 2020، نجح تطبيق تيك توك في تخطي الفيسبوك ليُصبح التطبيق الأكثر تحميلاً على الهواتف الذكية، وهو الإنجاز الذي لم يكن أحد يتوقعه. وبعد فترة وجيزة على ذلك، نجح هذا التطبيق في كسر حاجز 1 مليار مستخدم مع العلم بأن هذا الرقم لا يزال يتزايد بسرعة. لذلك، إذا إستمرت الأمور على حالها، فقد يتم التخلص من الفيسبوك أخيرًا، فقد تباطأ نموها على مر السنين بينما بدأ صعود تيك توك للتو، ولكن ما هو سر تيكتوك بالضبط؟ ولماذا فشلت شركة عملاقة مثل الفيسبوك في مواكبة ذلك؟ حسنًا، هذا ما سوف نكتشفه معًا في تقرير اليوم.
السر الأول في نجاح تيك توك : الخوارزميات المتقدمة
في البداية، تملك تيك توك خوارزمية دقيقة للغاية، فعلى الرغم من أن تطبيق تيك توك لا يختلف كثيرًا عن الفيسبوك لأن كلاهما يسمحان لك بمشاهدة المحتوى الذي ينشره الآخرون، فهناك فرق جوهري بين الإثنين، ولكن عندما تنظر إلى خلاصة الفيسبوك الخاصة بك، فغالبًا ما ترى المنشورات التي نشرها أصدقاؤك بالإضافة إلى المنشورات الأكثر شيوعًا من الصفحات التي تتابعها والمجموعات التي إنخرطت فيها من حين لآخر، وفي بعض الأحيان يتم إقتراح بعض المحتوى العشوائي بناءً على تفضيلاتك، ولكن هذا لا يحدث كثيرًا. تطبيق تيك توك من ناحية أخرى يُعتبر مختلفَا تمامًا في هذا الجانب على الرغم من أن هذا هو سر نجاح هذا التطبيق. بعبارة أخرى، تم ضبط خوارزمية تيك توك للإهتمام بالأشياء التي تفضلها بالتحديد ومع مرور الوقت يتعلم المزيد عن الأشياء التي تفضلها، فبينما يُمكنك متابعة الأصدقاء والمستخدمين الأخرين فإن التطبيق لا يركز فقط على عرض المحتوى الخاص بهم، وإنما يقوم أيضًا بعرض محتوى جديد من شأنه أن يُعجبك ومتابعته.
وعلاوة على ذلك، فهذه الخوارزمية تقوم بعملها على نحو جيد، ففي الوقت الذي تقوم فيه الفيسبوك بعرض منشورات أصدقائك التي تسمح لك بالتواصل معهم ولكنها لا تثير إهتمامك كثيرًا، يقوم تطبيق تيك توك بعرض صفحة كاملة من المحتوى الذي تفضله. وبالتالي، فليس من المستغرب أن نجد الناس يتدفقون على التطبيق بالملايين. في كافة الحالات، TikTok يمثل مستقبل وسائل التواصل الإجتماعي.
السر الثاني : توليد الإتجاهات
بغض النظر عن عرض المحتوى المفضل، فإن تطبيق تيك توك يُعتبر مُولدًا للإتجاهات الجديدة. وبالتالي، سواء كنت تستخدم تيك توك أم لا، فأنت بلا شك سمعت عن الإتجاهات التي إشتهر بها هذا التطبيق، فهناك العديد من تحديات TikTok التي إنتشرت كالنار في الهشيم على وسائل التواصل الإجتماعي، وهي التحديات التي يشاركها فيها الملايين من الأشخاص حول العالم بكل سرور، وهذه تُعتبر طريقة رائعة للشعور بأنك جزء من المجموعة وأيضًا تقديم محتوى عالي الجودة من المحتمل جدًا أن يحقق إنتشارًا واسعًا وإكتساب قاعدة متابعين كبيرة علمًا أن هذه الأشياء تُعتبر جذابة للعديد من الأشخاص. وبطبيعة الحال، الخوارزمية التي تحدثنا عنها سابقًا هي المسؤولة الأولى عن سهولة إنتشار الإتجاهات الجديدة ولكن دعونا لا ننسى أيضًا تصميم التطبيق الذي يُشجع على إنشاء التحديات ومزامنة مقاطع الفيديو وغيرها من المحتويات السريعة والسهلة.
من ناحية أخرى، تُعتبر الفيسبوك منصة للتواصل مع الأصدقاء والمشاركة بدلاً من بدء الإتجاهات الجديدة، ولكن بطبيعة الحال هذا لا يعني أنه لم تبدأ أي إتجاهات على الفيسبوك، ولكن هذه المنصة ببساطة مشهورة بتوفير إمكانية التواصل مع الأصدقاء والعائلة، وهذا ما يفسر لماذا تتراجع شعبيتها في ظل تزايد شعبية تيك توك.
السر الثالث : مجتمع قوي
بالإضافة إلى كل ما سردناه آنفًا، فتطبيق تيك توك يملك مجتمع لا مثيل له من حيث التنوع، ففي ظل توفره على أكثر من مليار مستخدم من جميع أنحاء العالم، فكل من الفيسبوك و تيك توك يضمان آلاف المجتمعات التي تلبي مختلف الإهتمامات. على الفيسبوك يُمكنك الإنضمام إلى مجموعات مختلفة تخدم أغراض مختلفة، وفي تيك توك يُمكنك ببساطة إستخدام الهاشتاج المعني لتحصل على آلاف الفيديوهات المتعلقة بالموضوع الذي تهتم به، ولكن ما يجعل تيك توك تتفوق على الفيسبوك في هذا الجانب أيضًا هو الخوارزمية التي تحدثنا عنها سابقًا، فبينما يمكنك العثور على مجموعات رائعة على الفيسبوك، فسوف تحتاج عادة إلى البحث عنها على وجه التحديد أو جعل الأصدقاء يضيفونك إليها. أما في حالة تيك توك، فسوف يتعين عليك إستخدام هاشتاج محدد في البداية، ولكن الخوارزمية ستتعلم ما تحبه وستُعَرِّفُكَ في النهاية على مجتمعات جديدة والعديد من المجتمعات التي يمكنك أن تجدها في تيك توك والتي لن تجدها في أي مكان آخر.
السر الرابع لنجاح تيك توك: المراهقين
منذ حوالي عقد من الزمن، كانت شبكة الفيسبوك شائعة بين المراهقين لأنها كانت جديدة ومثيرة ومليئة بالميزات الممتعة، والأهم من ذلك أنها لم تكن مفهومة لدى الآباء مما جعلهم لا يستخدمونها، ولكن هذا تغير مع مرور الوقت بعدما أدرك الآباء أن هذا الموقع الجديد الذي يستخدم أبناؤهم يملك الكثير من الأشياء التي تناسبهم أيضًا بما في ذلك التواصل مع الأصدقاء والعائلة وتبادل المعلومات بسرعة. وبطبيعة الحال، هذا لا يعني أن المراهقين غادروا الفيسبوك على الفور، ولكن جاذبية الفيسبوك الأصلية تلاشت ببطء في صفوف المراهقين والشباب، مما جعلهم يبحثون عن مكان جديد مثل تيك توك التي وفرت لهم كل ما يحتاجون إليه. بالتأكيد، صعود تيك توك لم يقضي على شعبية الفيسبوك، ولكنه بالتأكيد يهدد بذلك.
السر الخامس : الإكتفاء بالمحتوى المرئي
يعرف الجميع نوع المحتوى الذي يمكن العثور عليه عادة على TikTok. في الغالب، يقوم منشئي المحتوى بتصوير مقاطع فيديو قصيرة لا تتخطى الدقيقة الواحدة في العادة، ويضيفون إليها الموسيقى أو الفلاتر قبل نشرها. من حين لآخر، قد تصادف بعض الفيديوهات التي تحتوي على الكتابة فقط ولكن حتى هذه الفيديوهات تأتي مع بعض العناصر المتحركة في الخلفية. وبعبارة أخرى، تطبيق تيك توك يعمل على نحو مماثل لليوتيوب لأنه يُعتبر موطنًا للمحتوى المرئي فقط. من ناحية أخرى، تقدم الفيسبوك محتوى مختلط لأن المستخدمين في طبيعتهم هم مخلوقات بصرية، ويشمل هذا المحتوى الصور والفيديوهات إضافة إلى المنشورات النصية والمحتوى غير المرئي الآخر. بطبيعة الحال، يفضل مستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي المنشورات النصية على الفيديوهات، ولكن الغالبية لا تفضل ذلك لأنها تجد المحتوى المرئي أكثر جاذبية من المحتويات الأخرى، وهذا ما يفسر تمامًا سبب شهرة تيك توك.
السر السادس لنجاح تيك توك: المحتوى اللانهائي
بالإضافة إلى كافة المزايا التي ذكرناها آنفًا، فإن تطبيق تيك توك يمتاز أيضًا بصفحة تعرض محتوى لا نهائي، فبإمكانك التمرير لساعات وما زلت تعثر على محتوى جديد ومثير للإهتمام لأن لدى تيك توك دائمًا شيئًا لتقدمه إليك. بالفعل، يمكنك أن تقول أن الفيسبوك واليوتيوب توفران أيضًا محتوى غير متناهي في الصفحة الرئيسية، ولكن الوضع ليس هو نفسه، ففي حالة إذا واصلت التمرير في الفيسبوك لساعات، فأنت على الأرجح ستبدأ في رؤية المحتوى الذي رأيته بالفعل من قبل، ونفس الأمر ينطبق أيضًا على وسائل التواصل الإجتماعي الأخرى. وبالتالي، المحتوى غير المتناهي في الصفحة الرئيسية يجعل متعة المشاهدة تتجدد كل دقيقة وهذا ما يجعل المستخدمين يقضون أوقات أطول على التطبيق مما يزيد من شعبيته.
السر السابع : المحتوى القصير
بطبيعة الحال، واحدة من الأشياء الأخرى التي ساهمت في رفع شعبية تيك توك هي المحتوى القصير والسريع. على الرغم من أن الصفحة الرئيسية تجعلك تشاهد المحتوى لساعات، فإن الفيديوهات التي تجدها على هذه المنصة لا تدوم سوى لبضع ثوان فقط، وهذا ما يجعلها أكثر جاذبية من الفيديوهات الطويلة والسبب هو أن العالم اليوم يتحرك بشكل أسرع وأسرع ونشعر دائمًا كما لو أننا نفتقر إلى الوقت، لذلك إذا أرسل لك صديق مقطع فيديو مدته 20 دقيقة من اليوتيوب أو منشورًا طويلاً على الفيسبوك، فأنت على الأرجح ستعتقد أن مشاهدة هذا المحتوى سيتطلب الكثير من الإلتزام ولكن إذا تلقيت فيديو قصير مدته أقل من دقيقة فأنت على الأرجح ستشاهده على الفور لأن الجميع يستطيع تحمل إهدار بضعة ثوانٍ، والجيل الأصغر عرضة بشكل خاص لهذا النوع من التفكير لأنهم إعتادوا بالفعل على المحتوى السريع. وبالتالي، كل هذا يجعل تيك توك مثاليًا لملايين المستخدمين الذين يبحثون عن المحتوى القصير والسريع.
إقرأ أيضًا : لماذا يرى البعض الويب 3.0 كمستقبل للإنترنت
لا يمكن لأحد أن يعرف على وجه اليقين إلى متى سيُحافظ تطبيق تيك توك على زخمه أو ما يحمله المستقبل له، فهو يحظى بشعبية كبيرة الآن ولكن من يدري ما هو المصير الذي ينتظره في غضون عامين أو ثلاثة. ومع ذلك، هناك شيء واحد مؤكد وهو أن تيك توك يمثل بطريقة ما مستقبل تطبيقات التواصل الإجتماعي.
التطبيقات التي ستأتي بعده قد تبدو مختلفة وتحمل أسماء مختلفة ولكن من المحتمل أن تستخدم الميزات والخصائص الموجودة حاليًا في تيك توك. وبالتالي، هذا يعني أنه يتعين علينا توقع رؤية المزيد من الخوارزميات الدقيقة والمحتوى القصير والسريع الإنتشار في المستقبل.